تم تنظيم هذه الورشة من 17 الى 21 جويلية بدار باش حامبة بشراكة مع جمعية “الشارع فن” وبدعم من المركز الوطني للسينما (فرنسا) والمعهد الفرنسي بتونس. وهي الورشة الثانية المخصصة للنقد التي نظمناها والموجهة الى نفس المجموعة (الورشة الأولى وقعت في جويلية 2022) وأشرفت عليها هاجر بودن وإنصاف ماشطة.

نشتغل على مدى السنة مع اليافعات واليافعين على التعبير عن أوجه النظر خلال العروض والنقاشات. التدريب على تحليل الأفلام والنقد ينتمي الى مجال التربية على الصورة وهو يعد من أهم محاور مشروع “صور مشتركة” لسنة 2023. يهدف التدريب على الكتابة النقدية الى تعميق التعبير عن وجهات النظر عبر بناء الحجج وتحليل الصورة. يبدو لنا هذا أمرا أساسيا في زمن هيمنت فيه الصورة على حياتنا اليومية ويستهلك فيه الشباب وغيرهم العديد من الصور دون أخذ مسافة نقدية، اذ تمثل الكتابة النقدية عملية ذات أهمية قصوى لأخذ المسافة ولفهم الصور وبناء وجهة نظر معللة.

من أهداف الورشة :

  1. التفكير الجماعي حول الأفلام التي وقعت برمجتها في الورشة
  2. تحليل مشاهد من تلك الأفلام
  3. صياغة فكرة تمثل مدخلا الى الفيلم وينبني عليها المقال ونقاشها بشكل جماعي
  4. تطوير الفكرة في نص يستند الى الفيلم أو الى جزء منه.

وقع اختيار الأفلام من طرف المشاركين.ات قبل الورشة من ضمن الأفلام التي شاهدناها خلال الحصص المنتظمة على مدى السنة وفي السنوات الفارطة، وهذه قائمة الأفلام التي اتفق عليها المشاركون والمشاركات : “شارلوك جونيور” لبستار كيتون، “نيرين” لجوسوا هوتز، “ف 430” لياسين كنية، “تحت الشجرة” لأريج السحيري و”ذو هوست” لبانغ جو هو. كان التمرين صعبا بالنسبة للأصغر سنا، فلم يتمكنوا.كن من ايجاد الكلمات للتعبير عن مشاعرهم.ن ووجهات نظرهم.ن بسهولة ولكنهم.ن حاولوا.ولن وانخرطوا.طن كليا في عملية تحليل الصور شفويا. وتمكنت ثلاث مشاركات من إتمام مقالاتهن وتم الوصول الى هذه المرحلة عبر المراوحة بين التفكير والكتابة بشكل فردي ونقاشات جماعية حول الأفكار وصياغة الأجزاء المكتوبة من النص. كتب مقالين بالدارجة التونسية، أما المقال الثالث، فكتب بالفرنسية وهو موجود في الجزء الفرنسي من الموقع

المقال الأول

رحلة نيرين
بقلم نورشان الدقومي

في العادة مفهوم السفر يغلب عليه الجانب الإيجابي وهذا الي كانت تتوقعو الشخصية الرئيسية (طفل عمرو 7 والا 8 سنين تقريبا) لفيلم “نيرين” لجوسوا هوتس وهو فيلم قصير خرج عام 2015

في سفرة نيرين وقع استعمال تاكسي جماعي وكرهبة ونتعرفو على 3 أماكن : الريف، المدينة وأحياء في ضواحيها.

يبدى الفيلم في دار نيرين  بمشهد داكن نشوفو فيه نيرين وأخوته الصغار راقدين وأمهم تحكي في التلفون. المشهد يتميز بهدوء نابع من الطبيعة الي نشوفها من الشباك. يفيق نيرين وتقولو أمو الي باش يسافروا، لكن الي ما يعرفوش انو السفرة بدات عندها برشا بقرار الأم. نرافقوهم مبعد شوية في الرحلة. نيرين كان متأكد من رجوعو للقرية وهذا نفهموه من خلال كلامو مع الوزغة الي يلقاها في طريقهم للنقل وفي يدو لعبتو (كرهبة من القصدير مربوطة بخيط نراوها في أغلب المشاهد وتجسد وسائل النقل الي نشوفها في الفيلم وأولها التاكسي الجماعي). في بداية مشهد التاكسي، نعيشوا لحظات ممتعة من خلال اكتشافات نيرين الي يسميها (موتر، كرهبة زرقة، قنطرة، بحيرة). بداية السفرة كانت انفتاح على العالم الجديد. بالنسبة للتصوير اللقطات الخارجية قليلة مقارنة باللقطات الداخلية. نراووا الطبيعة من الشباك، لكن نقعدو في أغلب الأحيان محصورين لداخل، وكاينا ما نجموش نتجاوزوا الفقر وهشاشة الواقع. الإحساس بالحصرة يقوى مع التحول الزمني وبالتحديد في المشهد المصور في الليل وين أخوتو يبداو يبكيوا. هنا فمة إحالة لحدث باش يصير في نهاية الفيلم. نراو عباد تقلقوا من البكاء وعباد تمثل المتفرج بتعاطفهم مع الصغار ولأول مرة يلعب نيرين دور الأم، يحاول يهدي خواتو بغناية وينجح في هذا على عكس الأم الي تظهر قدرتها على تهدئة الصغار محدودة. نرجعو للنهار وتوفا سفرة النقل الريفي وقتلي نوصلوا للمدينة وتتواصل مبعد في وسيلة نقل أخرى

لكن قبل نلقاوا رواحنا ضايعين، في سوق معبي، مع نيرين الي ضاع على أمو. المشهد هذا زادا فيه استباق لنهاية الفيلم. في الضيعة متاعو فمة سفرة خيالية تخوف يحس بيها المتفرج من غير ما يعيشها مع الشخصية. والاحساس هذا نابع من بعض الاختيارات : الكاميرا المحمولة الي تتحط على مستوى الشخصية والمشاهد الي تتصور من وجهة نظرها.

نيرن يلقى عايلتو بفضل شخصية جديدة، العم ايميل، وتتواصل السفرة في كرهبتو. تتكون علاقة بين الأخوة مبنية عل اللقاء والفراق. في المشهد الي بعدو نراوا الأم خارج الكرهبة تحكي مع العم ايميل على موضوع غامض يتعلق بأولادها.

تخدم الكرهبة وتتواصل سؤلات نيرين عل الوجهة متاعهم، ما يجاوبو حد، لكن نفهمو من غزرتو للطريق الي هو يحاول يلقى جواب.

تاقف الكرهبة ونحسو الي هاذي نقطة فارقة في السفرة. تخرج الأم وتتصور من ورى بلار الشبابك وهذا يخلق مسافة وعدم وضوح رغم انو الحاجز شفاف. ترجع الكاميرا لنيرين باش تورينا وقع خروج الأم عليه. نشوفه يتبع فيها بعينيه ويتحرك. الكاميرا تتحرك معاه وتحاول تخليه ديما في الحقل وتعزلو على بقية الشخصيات باش تعبر على وحدة نيرين ومحاولتو للتواصل مع أمو الي يناديها وما تجاوبوش.

فمة مراوحة بين تصوير الأم ونيرين. في المراوحة هاذي نلقاوا الأم تحكي مع مرا، موظفة في دار رعاية. نظرات نيرين متجهة نحوها في محاولة لكشف حاجة غامضة.

تكثر الأدلة على وقوع حدث مؤلم، منها بكاء الأخوة، والمرة هاذي نيرين ما نجمش يسكتهم ويفهم قرار الأم وقتلي رجعت وهزت خواتو الزوز. محاولة تشبثو بيهم تعطي للمشهد بعد تراجيدي.

تتواصل الرحلة، ولكن نفهمو الي هي قريب توفى بعد فراق نيرين واخوتو. وقوف الكرهبة من جديد يمثل المرة هاذي لحظة حاسمة في حياة الشخصية : تتخلى عليه الأم في مركز “آينا”. تاقف السفرة هنا وياقف في مرحلة أولى على عتبة المركز، تخرج الأم من الحقل من غير ما تكلمو، يمشي مع موظفة في دار رعاية من غير تردد ومن ما يتلفت في اتجاه الأم، كاينو قبل بسفرة جديدة. في أخر لقطة من الفيلم يتصور نيرين والموظفة من الخلف، يبعدو على الكاميرا وتولي الصورة مضببة كاينها تحيلنا للمجهول لكن في نفس الوقت تظهرلنا المرافقة مطمئنة نوعا ما. ابتعاد الشخصية على الكاميرا تخلينا زادا نتخيلو رحلة أخرى باش تصير بعيد على أنظارنا.

المقال الثاني

رحلة حميمية داخل الذات

بقلم أسماء زرّوق

المُضيف” شريط طويل للمخرج الكوري “بونج جون هو” خرج عام 2006 يحكي على وحش هاجم المدينة وتسبّب في دمار كبير وقتل برشا سكّان. الفيلم فيه محاكاة ساخرة لأجناس سينمائية مختلفة كفيلم الرعب والأكشن في خليط بين الكوميديا والتراجيديا. الإيقاع فيه سريع وأحداثه متعدّدة، يطرح العديد من القضايا، منها العامّة والخاصّة. الشخصيات الرئيسية خمسة من نفس العائلة المتكوّنة من ثلاثة أجيال: الجدّ والأبناء والحفيدة. وأنا اخترت بش نركّز على شخصية الأب الي ظُهْرت لي تتمتّع بنوع من الفكاهة والطرافة وصار لها تحوّل كبير من أوّل الفيلم لآخر الفيلم.

وهو راقد (gros plan) أوّل مشهد بعد الجنريك نشوفو الأب لأوّل مرّة، في لقطة كبيرة في الكشك متاعُه. الأب عندُه جانب طفولي، نستنتجو هذا من تعاملُه مع بنتُه كي مدّلها، في نوع من الاستهتار، حُكّة بيرّة وهُما عاملين جوّ  ويتفرّجو على مُباراة في التلفزة. نزيدو نفهمو هذا من كلام الجدّ كي قال الي وقت الي كان صغير كان يخلّيه وحدُه وهذاكا علاه تجيه نوبات النّوم. يعني الأب عاش وحدة في طفولتُه وأثّر عليه غياب الأمّ بالنسبة ليه ولبنتُه. أوّل تحوّل تعيشها شخصية الأب وقع وقت الصراع بينه وبين الوحش الي خطف لُه بنتُه. نشوفوه من إنسان بُخلي وكركار تحوّل إلى مُحارب بش يمنّع المدينة، بالرغم الي ماخذين عليه فكرة الشخصية الساهية الي ما تتصدّقش. فقدانُه لبنتُه خلّاه يفيق من حالة السُّبات الي كان فيها ويكون فاعل ومنسجم أكثر مع المحيط. في آخر الفيلم تمكّن بالفعل من الوصول لبنتُه الي بلعها الوحش والمشهد هذا يذكّرنا بالولادة والزوز الصغار الي يخرّج فيهم، بنتُه والوليّد الي معاها، كاينّهم تواما، واحد حيّ ووحدة ميتة، وهذا يهزّنا للتحوّل الأخير في آخر مشهد في الفيلم نراو فيه الأب، من نفس الشباك والإطار الي ريناه في أوّل الفيلم، لكن المرّة هذه فايق، متوجّس من الخطر، هازز سلاح ومتأهّب. في المشهد هذا، الشتاء خذا بلاصة الصيف، والوليّد اليتيم خذا بلاصة بنتُه الي فقدها، والأب ولّى مسؤول. روح المسؤولية الجديد هذا الي تكوّن عنده بعد التجربة الحاسمة الي خاضها نشوفوها من خلال تحضيره للمايدة والماكلة ومعاملتُه للطّفل بكلّ لطف. التجربة هذه خلّاتُه يكتمل كأب والصغير هذا كاينّه نسخة مٌصغّرة منّه بش يحافظ عليها ويعوّض من خلالها طفولتُه.

الفيلم هذا مسّني برشا على خاطرُه من خلال الأحداث المتسارعة ومشاهد المعارك والصراعات يحكي على رحلة حميمية داخل الذات.